من المسؤول عن مصير المغاربة المقاتلين في سوريا والعراق؟

أحمد الدغرني

كثر الكلام هذه الأيام عن مغاربة التحقوا بصفوف القتال في العراق وسوريا، وصار بعض الكتاب والصحافيين المخزنيين يتناولون الموضوع مرة بسب وقذف هؤلاء المغاربة ووصفهم بأبشع الأوصاف عشوائيا وترديد النعوت التي يطلقها الأطراف المتقاتلة على بعضهم، وتارة برز أناس يدافعون عنهم باسم الدين ويسمونهم مجاهدين وشهداء يطبقون ركنا من أركان الإسلام وهو الجهاد حسب فهمهم لهذا الركن، كما ظهرت آراء أخرى تربط انضمام هؤلاء الى حروب سوريا والعراق بسياسة النظام المخزني الحاكم التي نتج عنها الفقر والبطالة والفساد الإداري والمالي واليأس من الحياة تحت الذل..، وكشر المستفيدون من السياسة الأمنية أنيابهم ليستعرضوا خدماتهم ويطبخوا ملفاتهم، وينجزوا اعتقالاتهم وينفخوا ترقياتهم وتعويضاتهم على حساب هؤلاء..

هنا، سنحاول بتواضع مقاربة هذا الموضوع الشائك مع وضع أسس ملامسة المشكلة بالرجوع إلى أصولها السياسية والعسكرية والعقائدية والاستعمارية والاقتصادية بدل التستر وراء استعمال مصطلحات ومسميات لا معنى لها في ذهنية الجمهور المغربي، ولا يفهمها الشعب البسيط الذي تسخر منه النخب الحاكمة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وكتابها وأحزابها وصحافتها ونقاباتها ومجالسها المكلفة بحقوق الإنسان والمغاربة المقيمين بالخارج، مثل “داعش” (دولة الإسلام في الشام والعراق) لنتساءل عن مشروعية حروب المخزن وأحزابه بالشرق الأوسط قديما وحديثا ما هو المشروع منها؟ وما هو غير المشروع؟ وما هو إرهاب؟ وما هو حركة إسلامية؟ وما هو حركة قومية عربية؟ وما هو من قوات التحالف الدولي؟ وما هو من الأخوة الإسلامية والعربية المنافقة؟.

ولاشك أن تجربة الهجرة العسكرية إلى الشرق في العصر الحالي انحرفت عن ما ترمز إليه فريضة الحج من السلم والتجرد حتى من الثوب المخيط وبالأحرى السلاح، حيث اقتضى هذا الانحراف حاجة الأنظمة الحاكمة هناك إلى قوات أجنبية تحميها من شعوبها مثل إقامة الجينيرال العنيكري وشرطته وعساكره بالخليج لعدة سنوات في عهد الحسن الثاني، ومثله ضابط الاستعلامات الشهير الخلطي، ولكن مرحلة مابعد سنة 2011 تحولت من مستوى انتداب الخبراء العسكريين والشرطة التي كانت معتادة ومربحة، إلى هجرة شعبية تقودها منظمات المعارضة الثورية التي ترتكز على الإسلام، وهي رد فعل شعبي من المشرق على استعانة الأنظمة الحاكمة بالخبراء العسكريين والأمنيين المنتمين للطبقة الغنية وأثرياء السلطة بالمغرب لقمع المظاهرات الشعبية.

لم تعلن حكومة 10 اكتوبر2013 أي سياسة رسمية تجاه هؤلاء المغاربة الذين أوردت بعض التقارير الأجنبية أن عددهم وصل الى 1000 شخص خلال ثلاث سنوات من حرب سوريا التي تمثل التحالف العسكري بين السنة والشيعة من جديد (حزب البعث، وحزب الله اللبناني، ودولة إيران)، وسوف يتزايد العدد المغربي إذا ساءت الأحوال ليصبح بنفس التصاعد آلافا أخرى إن لم يهتد أهل الخير والعلم والسلام إلى الحلول العقلية بكامل العناية والمسؤولية، وهي حكومة تعيش تناقضات انتماءاتها المذهبية والحزبية لأطراف الحروب في الشرق الأوسط، وتتورط مع سياسة السعودية وقطر ودول الخليج بسبب أطماع المخزن في أموالهم، ووقعت في مصيدة ظنها بقرب سقوط حكم حزب البعث السوري منذ ثلاث سنوات توازي عمر هذه الحكومة منذ سنة 2011 ولها ارتباطات مع حكام تركيا التي تمرر المقاتلين المغاربة نحو سوريا، وكان يكفي أن تتوقف تركيا عن التمرير ليتوقف سيل المقاتلين، فلولا وجود حزب العدالة والتنمية بالحكم في تركيا والمغرب وبينهما التزامات حزبية تمنع أي نوع من الاحتجاج المغربي، الشيء الذي بتمييع موضوع هذه الهجرة الحربية المقدسة التي يسقط فيها فقراء الشعب، وهو نوع من الهجرة المقدسة يختلف واقعها عن زمن تهجير فرنسا لعسكر المغاربة نحو حرب فيتنام، وتهجير اسبانيا للشماليين وايت باعمران نحو الحرب الأهلية الاسبانية لا يستطيع عبد الله بوصوف ولا إدريس اليزمي اللذان يمولان الندوات الباهظة في الدول الأوربية أن ينظما لها ولو ندوة في تركيا أو إحدى دول الشرق الأوسط، ولا زيارة مهاجري الحروب بأماكن وجودهم، ولا مواساة عائلاتهم التي تظل تبكي وتتألم في الخفاء لأنها هجرة عقائدية سرية وأحيانا علنية تشبه الموت في قوارب الموت تخترق عقول النخب المخزنية المرتبطة بسياسات الشرق الأوسط ولا تجلب العملة الصعبة العلنية.

والإشكالية الأساسية في موضوع هجرة المقاتلين من شمال افريقيا نحو سوريا والعراق لها تاريخ خطير بدأته فرنسا عندما رحلت 1000 شخص من جيش الأمير عبد القادر الجزائري إلى الشام لم يعودوا إلى شمال افريقيا (ولد عبد القادر الجزائري عام 1808 وتوفي عام 1883 ودفن بدمشق، ثم نقل جثمانه ليدفن بالجزائر بعد سنة 1962 ليخلو لها الجو والاستقرار في احتلال الجزائر، وأيضا عندما بدأ بعض المغاربة ينتمون الى ميليشيات حزب البعث السوري تحت غطاء الدراسة بدمشق منذ سنوات 1970، والانخراط في جيوش فلسطين التي تعمل في لبنان وسوريا والمخيمات المنتشرة في دول الجوار لإسرائيل قبل إنشاء الدولة الفلسطينية ( يمكن مراجعة كتابات بعض هؤلاء مثل أحمد بنجلون، ومحمد لومة، والحبيب طالب..)، وعندما شارك جيش المغرب في حرب الخليج الثانية (17 يناير1991) بثلاثة عشر ألف عسكري لطرد القوات العراقية من الكويت (حسب موسوعة Wikipedia (لا يعرف الأحياء منهم ولا الأموات، وحرب الخليج الثالثة (مارس 2003)، وشارك في حرب الجولان بستة آلاف جندي (9 يونيه سنة 1973) ترك قتلى وموتى في ذلك الشرق الذي لاتنتهي فيه الحروب، لم تنقل جثامينهم لتدفن في المغرب كما وقع للأمير عبد القادر، ومنهم الكولونيل عبد القادر العلام من سيدي قاسم، وتطرح مشاركة المقاتلين المغاربة في تلك الحروب مشكلات داخلية في غاية الأهمية منها محاولات مجلس التعاون الخليجي ضم المغرب الى عضويته قصد توظيف قواته العسكرية في حماية الأنظمة الحاكمة ضد ثورات شعوبها والاستعداد لحماية الخليجيين من هجمات إيران المحتملة مستقبلا، والمخاوف المتعلقة بانتشار مذهب الزيدية الشيعية في اليمن، وهم في حاجة إلى جيش ينتمي الى علي الأشعري عدو الزيدية والشيعة عموما يأتيهم من شمال إفريقيا، ولو كتب على الشعب المغربي أن يجري استفتاء للتصويت على من يعرف “علي الأشعري” ومن لايعرفه لتأكد أنه غير معروف في المغرب الحالي حتى لدى الفئة المتعلمة سوى بعض المختصين في الدراسات الإسلامية، وهناك جانب آخر يتعلق بمفهوم “الوطن” لدى بعض نخب السياسة المخزنية، ونقصد منها النخب التي تعلن كتابة وشفويا أن لها أكثر من وطن، نذكر منها على الخصوص “الوطن العربي” و”الوطن الإسلامي”..ولهم أكثر من أمة مثل “الأمة المغربية” و”الأمة العربية” و”الأمة الإسلامية” وأن لها في الإسلام مذهبا واحدا هو مذهب علي الأشعري وهو من العراق (ولد بالبصرة سنة 874م وتوفي سنة 936م)، وفقه مالك بن أنس (ولد في المدينة سنة 711م وتوفي سنة 795م)، وهو من السعودية، وصوفية الجنيد وهو أيضا من العراق، والثلاثة ليسوا من شمال افريقيا، وهنا يبدأ فهم مسألة الهجرة العسكرية من أصولها لنعرف كيف يمكن لامرأة مغربية أن تسخر جسدها لمشاركة رجال مقاتلين في الشرق الأوسط يريدون اسقاط نظام “حزب البعث العربي الاشتراكي” في سوريا؟ وكيف يمكن لرجل مغربي أن يترك بلده وأولاده وأهله ليموت عسكريا في ذلك الشرق البعيد الذي يجري فيه القتال بين السنة والشيعة منذ ظهور الإسلام، وبين من يريد إحياء “حزب البعث العراقي” الذي كان يرأسه صدام حسين؟ وماذا سيربح الرجل والمرأة المغربيين من سقوط نظام حاكم في العراق وسوريا وقيام نظام آخر مكانه؟

لا شك أن الموضوع يكتسي أهمية قصوى لأن هذا الشرق البعيد يذهب اليه مغاربة مستعدون لتقديم أرواحهم، ويبلغون درجة من القناعة تتجاوز إيمان المنافقين المعروفين في السياسة والعقيدة الدينية بداخل المغرب، وجوهر المنهجية العقلانية هو محاولة فهم هذه القناعة الخالصة بالهجرة المقدسة، وجذورها في المجتمع المغربي، وكيف يربط التعليم والمدارس ووزارة الشؤون الإسلامية عقول الشباب والأجيال بالشرق الأوسط وهي سياسات يجب إدراكها قبل فوات الأوان.

شاهد أيضاً

لمحات من تاريخنا المعاصر.. التعريب الإيديولوجي في المغرب

بدأت بوادر التعريب الإيديولوجي في المغرب منذ الثلاثينات من القرن الماضي اي بعد أن قضى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *