نجيمة طاي طاي الوزيرة السابقة والخبيرة العالمية في الثقافة اللامادية تحكي ل «العالم الأمازيغي» قصتها مع الحكاية والسياسة

najima_une0

وضعية الأمازيغية بالمغرب في حاجة إلى الاشتغال بعمق وكل ما تحقق ليس كافيا ولابد من تنزيل الدستور

المرأة المغربية ليست محافظة على الثقافة فقط، بل هي الذاكرة في حد ذاتها،  لذا وجب صيانتها

 

اقترن أسمك بالثقافة الشعبية والحكاية. ما هي الأشياء التي دفعتك إلى التخصص في التراث الشعبي الشفوي؟  ولمن يعود الفضل في اهتمامك بالحكاية؟

أولا، الأسباب في الأصل كانت أكاديمية وعلمية، لأن تخصصي كان في المجال ذاته، وموضوع الدكتوراه  انصب في المجال نفسه، ويرجع الفضل في تخصصي الأكاديمي العلمي إلى الأستاذ مؤسس المدرسة الفرنسية السيميائية «كريماس»، لكونه من أوحى لي بفكرة الاهتمام بالموروث الشفهي المغربي والثقافة المغربية، وبأن أطبق عليها النظرية السيميائية، أو ما يسمى بالتحليل السيميائي.

ولكن هذا لم يأت اعتباطا، لأن الأستاذ، في أول حوار لي معه، حين إعدادي لرسالة الدكتوراه، اخبرني آنذاك بأني أتميز بالقدرة على التواصل وهذه صفة من صفات الرواية الشفوية، حينها سألني عن محيطي  وعن ثقافتي ، تلك التي استلهمتها من والدي  ومن جدتي التي ساهمت بقدر كبير في تكويني وبناء شخصيتي، وكنت دائما اعتبرها مدرسة، فجدتي كانت عالمة  وفقيهة، رغم أنها لا تعرف لا القراءة ولا الكتابة، لكنها كانت متمكنة من الأحاديث النبوية، كما كان لديها رصيد ضخم من القصص القرآنية، وقصص الأنبياء، وكانت حافظة للقرآن، وكانت تحكي لنا حكايات من خلالها نأخذ الموعظة، وكانت حريصة أن تربيني تربية موازية للتربية التي أتلقاها من والداي، ولكن تربية جدتي كانت أعمق لكونها جعلتني أتعلق بأصالتي المغربية وأتشبث بها، وجعلتني اكتشف مدى غنى التراث المغربي وعمقه وتنوعه. علمتني من خلال حكاياتها وأحاديثها اسس الحياة الكريمة، كالابتعاد عن الكذب وعن الطمع، والتحلي بالقناعة وان أكون خدومة ومتشبثة بالمبادئ والقيم…

وثانيا كانت بالنسبة لي روضا أو ما يسمى الآن«La crèche»  ، فانا دخلت المدرسة في سن ألسابعة، و كانت جدتي بمثابة ما يسمى الآن بla  maternelle، وبعد دخولي للمدرسة تعلمت فقط الكتابة وفن الخط أما المخيال والبلاغة والتعبير فاكتسبته من خلال هذه التربية، التي كانت متكاملة، بالإضافة إلى ذلك كانت الجدة ،كما سبق وقلت، عالمة وفقيهة وكانت معرفتها شاملة بالكثير من الأمور، فلا يمكن أن تسألها عن شيء وتجيب بالنفي، بل كانت تلك الجدة الوازنة والحاضرة في البيت، إضافة إلى التربية التي تلقيتها من والداي والتي كانت تجمع بين التربية التقليدية والأوروبية لكوننا كنا نعيش في قرية أوروبية أكثر منها مغربية، لأن الذين كانوا يشتغلون بهذه القرية المنجمية أغلبيتهم أجانب من كندا والبرتغال وفرنسا وأمريكا، وكنا نحن نضاف إلى أسر ريفية سوسية مراكشية… بمعنى كان هناك نوع من الانصهار الثقافي، وكنا نعيش الحداثة في خارج وداخل البيت، وانطلاقا من التربية الصارمة التي تلقيتها كان يتوجب علي أن أبقى متمسكة بأصالتي المغربية ومنفتحة على الثقافات الأخرى في نفس الآن.

في هذا الإطار أترين أن  الحفاظ على الحكايات وضمان نقلها للأجيال المقبلة مرتبط بالمرأة بالدرجة الأولى؟

بكل تأكيد، لأن المرأة المغربية ليست محافظة على الثقافة فقط، بل هي الذاكرة في حد ذاتها، وإذا لم نصن المرأة المغربية فنحن بالتالي لن نصون ذاكرتها الغنية، لأن المرأة المغربية هي التي كانت وما زالت في تواصل مباشر ومستمر مع الأبناء، وهي التي كانت ومازالت تدبر وتسير مقاولة الآسرة، وليست ربة بيت فحسب، بل أكثر من ذلك، اعتبرها حكومة متكاملة في حد ذاتها، لأنها تدبر كل الأمور المتعلقة بالمنزل ومالية الأسرة ومؤونتها ومدخراتها وتسهر على تربية وتهذيب أبنائها.

المرأة صنعت أجيالا ولا يجب تبخيس وضعيتها ووصفها بالمضطهدة، فأنا ترعرعت وسط أسرة مغربية تقليدية، والدي ريفي ووالدتي رغم أصولها الريفية إلا أنها ذات ثقافة شمالية، ومع ذلك كان دور المرأة مهما داخل الأسرة، فجدتي كانت ذات مكانة مرموقة، ووالدتي كانت امرأة محترمة، وسط الأسرة تستشار في كل صغيرة وكبيرة، بالإضافة إلى أنني اعتبر البنت البكر لعائلتي، وكان مفروضا علي أن اثبت وجودي وسط مجتمع ذكوري مغربي، لكن في وسط عائلتي لم أشعر أبدا بأن هناك نوع من التقليل من مكانة المرأة بل العكس فوالدي ساعدني على إتمام دراستي العليا في باريس مع العلم انه لم يكن بالأمر السهل في الثمانينيات على رجل ريفي إرسال ابنته إلى الخارج للدراسة في باريس، بلد الجن والملائكة كما يسميها طه حسين.

وثقة الأب في جعلتني أحافظ أكثر على شرفي وشرف أسرتي، وتزوجت في سن صغيرة وأنا طالبة حتى أثبت لعائلتي بأنني في مستوى ثقتهم، فانا لست نجيمة طاي طاي المنتمية لأسرة فلان، بل أنا رمز من رموز المرأة المغربية  التي بدأت صغيرة وكافحت واشتعلت، فأنا لم أولد بملعقة من ذهب في فمي، بل مشيت كيلومترات من منزلنا للمدرسة قصد التعلم، ومع ذلك كان هناك نوع من التنافس مع أبناء الأسر الأجنبية، وكان لازما علي أن اكسب التحدي

وكما قلت سابقا، فالمرأة المغربية تحاول جاهدة الحفاظ على ذاكرة المغرب وتاريخه  وأصالته،

وبصيانة المرأة المغربية سنصون ذاكرتنا وبالتالي واجبنا أن ننقذ هذه الذاكرة من النسيان، ونعيد لأمهاتنا قيمتهن ولجدتنا كرامتهن ومكانتهن لاسترجاع الذاكرة، لأننا نرى اليوم أن هناك أزمة كبيرة، الجدة الآن لم تنس شيئا، بل تعيش إحباطا ونوعا من التهميش، الذي جعل ذاكرتها تتوقف عن العمل، ولم تعد تحس بالمكانة التي كانت لديها من قبل، ولهذا ندائي ألا ترمى الجدات في دور العجزة، وفي الماضي القريب لم تكن الأمهات الأرامل تستجدي عطف المارة في الشارع،  لأن العلاقات الأسرية المغربية وعلاقات الجوار كانت مبنية على مبادئ وأعمدة وقيم أصيلة، عمادها التآزر والتكافل والتضامن، سواء في الثقافة الأمازيغية أو البدوية أو الجبلية أو الفاسية أو الحسانية الصحراوية.

كيف يمكن للحكاية برأيك أن تصبح أداة بيداغوجية (تربوية) في التعليم وما وقعها على الطفل والتربية؟

ممكن جدا ان تساهم الحكاية في التربية والتعليم, سأستدل ببرنامج التربوي «سبك الحكاية» وهي تجربة اعتمدت  في مؤسسات عديدة في المغرب وأوروبا والمشرق:

في سنة 1992 أسست مع زوجي ومجموعة من الزملاء  مجموعة البحث في الموروث الشفهي   GRUOبجامعة ابن زهر، كلية الآداب والعلوم الإنسانية  ، وكان الهدف جمع وتوثيق الموروث الشفهي المغربي، وكانت أول مبادرة اعتز بها هو  انفتاحنا على المحيط السوسيو – اقتصادي. نجحت المبادرة و لله الحمد كسرنا البرج الزجاجي الذي يتقوقع فيه الأستاذ الباحث، وخرجنا من الجامعة لنشتغل  مع المجتمع المدني وداخل دور العجزة وفي المؤسسات الخيرية ونشتغل أيضا مع المؤسسات التعليمية مع المعلمين والمربين، أدخلت الحكاية الشعبية للمؤسسات التربوية وجعلتها تطرق أبواب المدارس ابتداء من سنة 1993, كانت حينئذ ثورة، حوربت وواجهتني صعوبات كبيرة جدا لأنه اذا لم يكن من  الطبيعي وقتئذ تدريس الموروث الثقافي الشعبي في المدرجات بالجامعة, فانه لم يكن من المستساغ أبدا أن تدخل الحكاية الشعبية إلى صفوف المدارس وتصبح وسيلة للتربية والتعليم، لكن بدعم من زملائي وبفضل الإصرار كثفنا مجهوداتنا ,وفي سنة 1995 اعترفت وزارة التربية الوطنية بعملنا حيث تم تعميم برنامج سبك الحكاية في عدد كبير من المؤسسات التعليمية سواء على الصعيد المحلي اوالوطني , كما قمنا بتنظيم دورات تدريبية لفائدة الأساتذة والمشتغلين في المكتبات والعاملين في  فضاء الطفولة, وكان  أول لبنة لهذا العمل الميداني هو»المهرجان الدولي للحكايات» ، والذي أعطت فيه الكلمة للتلاميذ بدورهم الى جانب رواة دوليين لسرد حكاياتهم.

على اثرها عمم برنامج «سبك الحكاية» على مستوى الدولي : دول البحر الأبيض المتوسط، الدول المغاربية والمشرق  انجلترا وكندا …وهذه الدول كلها شاركت بأعمالها في أكادير عاصمة سوس في المهرجان الدولي للحكايات في تلك السنة 1996، وكانت مشاركة فاعلة ووازنة ومازلت احتفظ بإبداعات هؤلاء التلاميذ إلى يومنا هذا. كما ساهم في انفتاحي على منظمات دولية ونلت شرف الخبرة الدولية للثقافة اللامادية من لدن المنظمة الدولية للثقافة والعلوم UNESCO

وفي سنة 1999 نال برنامج سبك الحكاية  الرتبة الاولى من بين اكثر من 24 خبير على الصعيد البحر الأبيض المتوسط بروما إيطاليا

وللاشارة فان مجموعة البحث  تحولت سنة 1998 الى جمعية لقاءات للتربية والثقافات

 ما حكاية علاقة نجيمة طاي طاي مع  السياسة؟

السياسة أمارسها في حياتي اليومية، وطبعا أنا امرأة سياسية انتمي لحزب التجمع الوطني للأحرار كمناضلة، وفي نظري السياسة، لا يجب ان ترتبط فقط بلقاء جماهيري مع الناس، فالسياسة الحقيقية هي التي نمارسها بشكل يومي، تمارسينها أنت كصحافية، وأمارسها مع طلبتي بالمدرجات الجامعية وفي البحث العلمي وفي عملي الجمعوي وداخل البيت مع أسرتي عن طريق تعليمهم أسس الديمقراطية والحداثة والحوار والاحترام، كما نمارس السياسة في الشارع. في نظري هذه هي السياسة، التي في بعدها الشامل تركز على بناء الوطن من غير المحسوبية ولا حسابات شخصية.

عندما ننظم مهرجان «بابا عاشور»، فإننا نمارس السياسة ونفتح الحوار مع الناشئة، ونساهم في أن يحافظوا على أصالتهم المغربية ونقلها للأجيال الصاعدة، حتى لا تبقى مرجعيتهم الوحيدة هي  «الهالوين» و»سان فالنتين»، فالانفتاح على الحداثة والعولمة و»الرقميات» شيء جميل ومهم ولكن يجب ألا يكون على حساب القيم والمبادئ الأصيلة التي تميز ثقافتنا كمغاربة عن ثقافات عالمية أخرى.

سبق أن قدمت استقالتك من حزب التجمع الوطني للأحرار في 2012،  فكيف هي الآن علاقتك بالحزب؟

أنا لم استقل من الحزب، بل استقلت من مكتبه التنفيذي، لأنني أريد أن أعطي لنفسي فرصة للتفكير والتجديد، لأن الإنسان مطالب بأن يقوم بوقفة تأملية ولو مرة واحدة في حياته، ويراجع اختياراته في الحياة، ومعرفة سلبياته وايجابياته، فقد تراجعت خطوة للخلف على أساس أن أتقدم خطوات للإمام، ولكن هذا لا يعني أنني استقلت من الحزب بشكل نهائي، فأنا ابنة التجمع أبا عن جد فوالدي تجمعي وزوجي تجمعي، ولازالت علاقتي مع مناضلي الحزب طيبة، ولكن في هذا الوقت فضلت الخروج من المكتب لأنه لدي قناعة بضرورة تجديد الدماء، لا يمكننا أن نبقى في المكتب التنفيذي إلى ابد الآبدين، فإن بقيت نجيمة طاي طاي وبقي كل الأعضاء في المكتب متى سيفتح المجال أمام المناضلين الاخرين؟

يروج أن حزب التجمع الوطني للأحرار هو حزب «تبعي»، ما قولك؟ وما موقفك من انضمامه للحكومة الإسلامية؟

التجمع الوطني للأحرار لم يكن ابدا حزبا تبعيا منذ تأسيسه في عهد الحسن الثاني، مع مؤسس الحزب الأستاذ أحمد عصمان، التجمع الوطني كان له دائما وقع ويضم كفاءات عالية ولديه رجالات ونساء مهمين جدا، وأرى ان مكانته الأساسية  هي المشاركة في الحكومة، كانت من بين الأشياء التي أخذت منها موقفا، هو اختيار البعض الخروج للمعارضة، لأن التجمع الوطني للأحرار مكانه ليس المعارضة، فهو حزب يعرف كيف يشارك في الحكومة، لأنه حزب يخدم الوطن ويخدم الحكومة وبالتالي لا يمكنه ان يكون معارضا.

في نظرك كيف ترين وضعية الأمازيغية ومستقبلها في ظل السياسة الإقصائية التي تمارس ضدها؟

وضعية الأمازيغية تحتاج للكثير من الاشتغال، فهي لم تصل بعد إلى المكانة المطلوبة رغم انه وبفضل جلالة الملك تم تأسيس مؤسسة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية والدستور ينص على أنها لغة رسمية للبلاد، ولكن كل هذا ليس كافيا فحين نهيب بالتطبيق وتفعيل القوانين ونجد أن هناك تغييبا تاما، سواء في مجال التعليم المدرسي أو الجامعي، وما زالت هناك بعض اليافطات المحتشمة والإشهارات بتمازيغت، ولكن كل هذا غير كافي، فلابد أن يكون هناك حضور قوي للثقافة الأمازيغية في المجتمع المغربي لأنها ثقافة مكونة للحضارة المغربية، فالثقافة المغربية لها روافد مهمة وعلى رأسها الثقافة الأمازيغية، وارى أن الأمازيغية على مستوى التطبيق لازلنا بعيدين جدا وجل المطالب التي نطالب بها لم تتحقق بعد لكي نكون على قدم المساواة في العدالة والديمقراطية وتكون رسمية الأمازيغية حقيقة كما نص على ذلك الدستور.

فلحد الساعة ليست هناك مراكز او دراسات معمقة في الأمازيغية بالجامعات بالقدر الذي نطمح إليه، فالقوانين موجودة والدستور موجود ولكن التطبيق بعيد.

استاذة نجيمة، هل برأيك القانون التنظيمي للأمازيغية  لازال بعيدا أيضا؟

للأسف، المصالح الشخصية هي الطاغية وإدخال السياسة في كل شيء، والسياسوية تغلب المصالح الشخصية وتبعد مصلحة الوطن، لكن هذا لا يعني انه لم يتحقق أي شيء، فالمغرب الآن أصبح بلدا يقتدى به وقام بمجهودات جبارة، سواء على مستوى اللغة الأمازيغية، أو على مستويات أخرى، ولكن كل هذا غير كاف، بل يجب أن يساهم الكل في تحقيق الأهداف المبتغاة، وعلى الجميع أن يقتنع بأنه وفي ظل الملكية والدستور الجديد وبتضافر كل الجهود سيتم تحقيق كل المطالب.

حاورتها: رشيدة إمرزيك

شاهد أيضاً

أسماء لمنور سفيرة الثقافة واللغة الأمازيغية بالخليج والشرق الأوسط

عبرت الفنانة المغربية أسماء لمنور عن فخرها واعتزازها بلغتها وهويتها وحضارتها الأمازيغية. وقالت لمنور أثناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *