هبة حياة من أجل الصحوة الأمازيغية.. تحية وداع للفقيد السّي ابراهيم أخياط

بقلم: الحسين أيت باحسين

كل ما في أصل القصة؟ (التي دامت نصف قرن من التحديات والمكتسبات)
هو معاناة شخصية، فردية وجماعية بسبب وضع الأمازيغية ووضع جل الأمازيغ المهمش والمقصي؛ وتلقي من يحاول الدفاع عنها لإنصافها ما يلي من النعوت:
– العنصرية،
– التخوين،
– الانفصال،
– حفدة ليوطي،
– وغير ذلك من النعوت القدحية… .

حول آخر اتصال مع الفقيد؟
أسبوع قبل مماته اتصل بي وبمجموعة من الأصدقاء من رقم هاتفي جديد وخاص به يدعونا لزيارته أو للاتصال به؛ ليزداد التأكد لدينا أن الرجل متشبت بحياة يضعها رهن إشارة قضية يحيى من أجلها؛ علما أنه مات، ولم يكن السبب المباشر في ذلك نتيجة ضعف صحي، رغم هزال شديد لجسمه دام سنوات؛ بل فقط وعكة زكام لم يستطع لا الجسم ولا التدخل الطبي السريع مقاومتها.

لقد قال عنه السيد عبد الإله بنكيران؛ زعيم حزب العدالة والتنمية، وكان بمعية السيد عبد الرحيم الشيخي، رئيس حركة التوحيد والإصلاح (الدراع الدعوي لحزب العدالة والتنمية)؛ قال لنجل الفقيد السيد ياسين أخياط، في ليلة دفن أبيه: “لقد أتيت لأشارك في حفل تأبين الأب، وأقدم لك ولأختك ولباقي أفراد أسرتك تعازينا، لأنه لم يتفوه قط، ولم تصدر عنه قط؛ في حياته النضالية تجاهنا (يقصد الحزب الذي ينتمي إليه، كحزب إسلامي له مواقف من الأمازيغية)؛ كلمة عيب أو شتم أو سباب أو إهانة”؛ في إشارة إلى ما بين الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي خاصة، والحركة الأمازيغية عامة؛ وبين حزب العدالة والتنمية من خلافات واختلافات في المبادئ والمواقف.

نبذة من حياته الشخصية والمهنية واهتماماته الرياضية والفنية والثقافية:
– من مواليد 1941، بأيت باها، أيت صواب؛
– توفى في 7 فبراير 2018؛
– أستاذ الرياضيات والعلوم التطبيقية بكل من الرباط والقنيطرة؛
– من مؤسسي الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، 10 نونبر 1967؛
– بطل المغرب في رياضة الزوارق، 1969؛
– ممثل في أول فيلم أمازيغي قصير، 1972؛
– مؤسس أول مجموعة موسيقية عصرية أمازيغية (أوسمان 1974)؛
– من مؤسسي جمعية الجامعة الصيفية بأكادير، 1979؛
– مدير أول مجلة أمازيغية (أمود، 1990)؛
– مدير جريدة تامونت، 1994؛
– أول منسق وطني للجمهيات الأمازيغية بالمغرب 1993 – 1996؛
– رئيس أشغال الكونكريس العالمي الأمازيغي المنعقد بمدينة ليون الفرنسية صيف 1999؛
– عضو مجلس إدارة المعهد للثقافة الأمازيغية؛
– رئيس لجنة الشؤون الثقافية والتربوية والتواصل بمجلس إدارة المعهد للثقافة الأمازيغية منذ تأسيسه سنة 2001 إلى أن تم إعفاء أعضاء هذا المجلس من مهامهم.

شخصية المحتفى به:
لقد أصبح؛ كشخصية؛ لدى كثير ممن يعرفونه، داخل المغرب وخارجه، خاصة منهم المهتمون بالشأن السياسي والثقافي، مقرونا بالشأن الأمازيغي، ولدى كثير من المهتمين بالشأن الأمازيغي؛ مقرونا بالجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي لأزيد من نصف قرن؛ ولدى هؤلاء وأولائك مقرونا بالحركة الأمازيغية، وبمجلس إدارة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية؛ ولدى عائلته هبة للأمازيغية.
فكيف يمكن تقديم صورة للمحتفى به، معزولة عن كل خصائص تلك الدروب المتشعبة؟

لكن لمن لا يبحث عن التفاصيل وتفاصيل التفاصيل، أن يكتفي بمؤلفاته الخمس التالية:
– تابرات، ط. 1، 1989؛
– لماذا الأمازيغية ؟ ط.1، 1994؛ ط. 2، 2005؛
– رجالات العمل الأمازيغي (الراحلون منهم), ط.1، 2004؛
– الأمازيغية هويتنا الوطنية، ط.1، 2007؛
– النهضة الأمازيغية (كما عشت ميلادها وتطورها) ،ط.1، 2012، 392 صفحة).

ماذا عن موقفه من الذاكرة الحية للجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي؟
بالعودة إلى الصفحة 42 من كتابه: النهضة الأمازيغية، يقول:
“بعد مغادرة معظم الإخوة المؤسسين للجمعية نحو فرنسا بقيت لوحدي في الرباط، غير أن انخراط العديد من الطلبة الجامعيين في الجمعية كان بمثابة ضخ دم جديد في عروقها، وشكلوا قوة دافعة مهمة لعملنا آنذاك، كما أن عددا منهم سيتمكن من القيام بأدوار مهمة في العمل الثقافي الأمازيغي من خلال الجمعية، وأخص بالذكر الحسين أيت باحسين الذي أَعْتَبِرُ انخراطه ربحا كبيرا للقضية الأمازيغية بصفة عامة، وللجمعية بصفة خاصة. لإيمانه العميق بالقضية ولتفانيه في خدمتها جمعويا وفكريا؛ إذ لا يتغيب عن أي لقاء فكري حول الأمازيغية، سواء بالمشاركة بمداخلة أو بنقاشها وهو ما يجعلني أعتبره بمثابة أمين سر جمعية البحث والتبادل الثقافي وذاكرتها الحية”.
فماذا يمكن القول عن هذه الذاكرة ونحن نحتفي بالذكرى الأربعينية لوفاته، منوهين بمبادرة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الذي لا ينسى واجبه من الاحتفاء برموز ثقافتنا الوطنية؟
بداية أرفع التباسا قد يتسرب إلى أذهان القراء (والمستمعين اليوم)؛ فهو لا يقصد وجود أسرار مّا للجمعية؛ فما تقرره الجمعية تنفذه، وما تنفذه هو ما قررته، وحين لا يصدر عنها شيء “فأخوك مُكْرَهٌ لا بَطَلُ”؛ ولم تلجأ قط إلى تطرف مّا؛ واتهامها في سالف العقود ب”المُمَخْزَنَة”، حين حَرِصَتْ على ضرورة الالتفاف حول “القواسم المشتركة”؛ شبيه باتهامها اليوم، وهي تضمد جراحها، بالدخول في السرية، وهو اتهام من قِبَلِ صديق “يسراوي” (من الاتجاه اليساري)!

وعودة إلى شهادة فقيدنا المحتفى به، هناك فقط ثلاثة أسرار أفشيها اليوم:
– أولها أنه اعتبر الفقيد نفسه هبة تتوزعها أسرته والقضية الأمازيغية (ألم يقل للمرحومة زوجته؛ التي كانت تعضد كل مبادراته في سبيل النهضة الأمازيغية من وراء ستار؛ في أول تفاوض عن الزواج أن “هناك امرأة أخرى إن رضيت أن نتقاسمها في الحياة فلا شرط آخر لدي) فرضيت بعد أن علمت أنها هي “القضية الأمازيغية”؛
– وبذلك يكون السر الثاني أنه اعتبر نفسه هبة الصحوة الأمازيغية.
إذ الهدف الجوهري الذي تسعى إليه مساهماته، من أجل رد الاعتبار للأمازيغية، هو العمل على صحوتها والنهوض بها وتثمينها وتحديثها وتحقيقها لتنمية حامليها.
– أما السر الثالث، من تلك الأسرار، فهو أنه كان متشبتا بحلمه الذي لا يفتأ يتقاسمه مع الجميع إلى آخر رمق من حياته، ألا وهو مأسسة الأمازيغية بكل أبعاد مفهوم المأسسة؛ ولم يكن ينغص عليه هذا الحلم إلا “ظلم ذوي القربى” الذي عانى منه في صمت، وحمل معه جل تلك الأسرار التي نعتني بأمينها.

واسمحوا لي أن أضيف فقط شبه سرين من تلك الأسرار:
– الأول: يتعلق باختيار مكان الدفن بعد الممات، من طرف الفقيد علي صدقي أزايكو: فقد اختار أن يُدْفَن في مسقط رأسه، بالأطلس الكبير الغربي، لما يمثله له من صمود للأمازيغية وللأمازيغ عبر التاريخ؛
– والثاني: يتعلق باختيار مكان الدفن بعد الممات، من طرف الفقيد إبراهيم أخياط: فقد اختار أن يُدْفَن بالرباط، المدينة التي أسسها الموحدون الذين انحدروا، مثله، من جبال الأطلس الصغير؛ فشيدوا فيها معالم شاهدة، إلى اليوم، بمساهمتهم في تشييد معالم حضارة وعظمة مغرب كل المغاربة.

أية تحديات ومكتسبات من خلال مساهماته ؟
– مَنْ لم يزر منزل الفقيد لعقود كمقر للتداول حول القضية الأمازيغية؟
– إذا كانت سيارات كثير من المغاربة تحمل لوازم بناء منازل لهم، فمن لم يركب رونو4 ورونو18 للمشاركة في أنشطة ثقافية (في مختلف المدن المغربية)، ولقاءات جمعوية، ومؤتمرات جهوية ووطنية، أو لحمل لوازم مهرجانات وطنية (للمسرح الاحترافي بأكادير أو لمسرح الطفل بأنزا؛ أو للفيلم الأمازيغي بالدار البيضاء أو بورزازات، أو لمخيم صيفي وطني بأكادير أو بأورير أو بالجديدة أو بورزازات، أو لمعرض الكتاب بالدار البيضاء؛ لعقود من الزمان) ؟
– من يستطيع أن يعدد متاعب المشاركة في المعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء للتعريف بالكتاب الأمازيغي المقصي من أنشطة المؤسسات المعنية بالتعريف به؟
– أليس هو من بذل كل ما في وسعه لتدشين تكريم المبدعين في مختلف مجالات الأمازيغية، بمنح شواهد تقديرية بمسرح محمد الخامس، مع إنجاز صور لهم في مقر الجمعية للتعرف عليهم من طرف زوار المقر؛ دعما للمبدعين والمبدعات بالأمازيغية؟
– هل يخفى الهدف الذي سعى إليه من خلال تنويع الأنشطة، تلك الأنشطة التي تشمل:أنشطة تقافية، وتعليمية، وفنية، وترفيهية؟
– ألم يسعى أيضا إلى فتح عدة أوراش تخص الموسيقى والغناء العصريين (أوسمان 1974)؛ المهرجانات الوطنية للمسرح الاحترافي ومسرح الطفل؛ والمهرجانات الوطنية للفيلم الأمازيغي (2000)؛ والملتقيات الوطنية للأدباء المبدعين بالأمازيغية (1994)؛ وتنظيم مخيمات صيفية للأطفال ولليافعين؛ وتنظيم دورات تكوينية لمدربي ومدربات المخيمات الصيفية بالأمازيغية وباعتراف الوزارة المعنية؛ وغيرها من أوراش أخرى؟
– ألم يفتح عدة قنوات من أجل الترافع عن الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية في مختلف المنابر السياسية (كل مؤسسات الدولة بدون استثناء، أحزاب سياسية)؛ ومع جمعيات ومنظمات المجتمع المدني بمختلف اهتماماتها وتوجهاتها ومواقفها من القضية الأمازيغية؟
– وهل يعلم، من لا يعلم، أن قوة الحجة عنده هي الإنصات واستطلاع آراء نواة الجمعية، حول أي مشروع نشاط للجمعية، وعقد اجتماعات كافية لتعميق النقاش والخروج بتصورات من شأنها ربح المزيد من المكتسبات للقضية الأمازيغية؟
– ومتى اقتصرت الأنشطة، التي كان ينظمها أو يساهم فيها، على منطقة دون أخرى، وعلى جمعيات دون أخرى، أو على تنظيمات دون أخرى؟
– ألم يتم اختيار “صفة المغربية” للجمعية التي سهر مدة نصف قرن على تدبير شوؤنها لتحقيق المواطنة الكاملة للمغاربة؟

يا صاحب مقولة: “للأمازيغية رب يحميها !”.
نم مطمئنا، سنواصل الحوار أولا، والحوار ثانيا، ولا غير الحوار ثالثا، من أجل تقاسم الاقتناع؛
سنواصل النضال من أجل بناء هوية بخلفية وطنية جامعة دون تعصب ولا تنطع.

Afra f imane nnk!
TiziDra i tawja nnk!
Tirrugza i tasutin n imal!
Tudrt i Tmazight!
Tumrt i yimaeighn!

شاهد أيضاً

الإعلام الأمازيغي المكتوب إلى متى يبقى نضاليا ؟

من الجبهات النضالية التي اخترتها الحركة الأمازيغية بالمغرب منذ النشاة، الإعلام المكتوب وذلك لأهميته في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *