الجامع المانع في الشعر الأمازيغي التقليدي

بقلم: محمد فارسي

واجه الباحث في مجال الأدب الأمازيغي عدة صعوبات في تحديد معالمه المكونة، نظرا لتعدده في كل بقعة جغرافية أمازيغية، تتميز بخصوصية معينة، فبعد الدراسات الكولونيالية التي أجريت على المغرب، و التي كانت هدفها الحقيقي هو تطويق هذا الشعب ثقافيا و فكريا من أجل الدخول إليه عسكريا، فإنها قدمت خدمة كبيرة للباحثين في مجال اللغة و الثقافة الأمازيغيتين اليوم، من أجل العودة إلى الماضي الثقافي و معرفته و أيضا لتفحصه، و خاصة أن ما ميز الشعب الأمازيغي على مر العصور، طابعه الشفوي.

بعد التطور المرير الذي وسمت به الأمازيغية إلى حدود هذا اليوم، و وصولها إلى هذا الإنتاج المتواضع من الدراسات الوطنية، نجد اليوم الباحث يغوص في عمق الإشكالات الأكثر تعقيدا ليفك أسرها، بغية تقعيد للأجزاء المكونة للأمازيغية من لغة و أدب و ثقافة، فمن بين هذه الإشكاليات، نجد كيفية بناء المعيار وتنضيد الأنماط للشعر الأمازيغي التقليدي، هذا الموضوع الذي رافق الأستاذ الباحث جمال أبرنوص، منذ أن غاص في روح هذا الشعب العريق ليستقرئها على حد تعبير الأستاذ حسن أوريد، و بدوري كنت من الطلبة المحظوظين أنذاك في مواكبة لهذا الموضوع كطالب للأستاذ جمال أبرنوص في موسم 2015-2016، عندما كان يحاضر في في كلية الأداب و العلوم الإنسانية جامعة محمد الأول بوجدة و لا يزال كذلك اليوم، و كنت ألاحظ أن هذا الموضوع يسطر على فكره، غائص في أعماقه التي نبتت منه، و بالخصوص أن المادة التي كان يحاضر فيها هي الأدب الأمازيغي و اليوم يصدر كتابه تحت عنوان ” تيبولوجية الشعر الأمازيغي التقليدي، بناء المعيار وتنضيد المعيار”، الذي يعتبر بوصلة متقنة في تحديد الطرقات لمعرفة أنماط الشعر الأمازيغي التقليدي بجهة الريف على وجه الخصوص، و الذي طالما كان موضوعا شائكا و في نفس الوقت مستعصي على أي باحث للدخول إليه. و في المقابل، نجد على حد تعبير الأستاذ عبد السلام خلفي، بأن الباحث قد وضع إحدى اللبنات الأساسية في صرح مشروع تيبولوجية الشعر الأمازيغي التقليدي.

إن الأستاذ جمال أبرنوص، لم يقع في فخ الإسقاطات كما جرت العادة من طرف الكثير من الباحثين في هذا المجال، بل انطلق من البنية ذاتها التي تشكل هذا الموضوع، مستعرضا، بأن الشعر العربي لم يعرف شيئا اسمه الأجناس-الأنماط الشعرية، و لكن عرف ما سمي بالأغراض…، أما الشعر الإغريقي الذي تأسست نظرية الأجناس الأدبية فقد تم تنميطه بناء على معايير عروضية، و على غراره أيضا، تم تنميط الشعر اللاتيني الذي اعتبر فيه شكل القصيدة مؤشرا حاسما يدل على انتمائها الأنماطي، أما الشعر الريفي التقليدي فيبدوا، بالنظر إلى عناية مبدعيه و مردديه بالإيقاع، و تركيزهم على حجم القول في تمييزهم لأنماطه المركزية (إيزري izri، و ثاقسسيست (Ṯaqessist . هذا ما يضيف لهذا البحث سمة أكثر علمية، على مستوى تحديد و بناء المعيار، التي تحدد كفايته بمعيار الضمن-نصي.

شاهد أيضاً

لمحات من تاريخنا المعاصر.. التعريب الإيديولوجي في المغرب

بدأت بوادر التعريب الإيديولوجي في المغرب منذ الثلاثينات من القرن الماضي اي بعد أن قضى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *