أعمو يرثي الفقيدة “يامنة” إحدى رائدات الذكر والسماع الصوفي النسائي “واگراو” بتيزنيت

بقلم: عبد اللطيف أعمو

وأنا أتواجد يوم الثلاثاء 24 أبريل 2018 بالرباط لحضور أشغال جلسة الأسئلة الشفهية بمجلس المستشارين، تلقيت بعميق التأثر وبالغ الأسى، النبأ المحزن لوفاة المشمولة بعفو الله ورضاه السيدة يامنة ناد العرش (يامنة بومهدي) إحدى رائدات الذكر والسماع الصوفي النسائي واگراو بتيزنيت، وإحدى الأصوات الشجية في نظم وإلقاء الغناء النسائي الأمازيغي (أحواش نتمغارين) بمدينة تيزنيت، والمعروفة كذلك لدى ساكنة المدينة القديمة بسبرها لأغوار التداوي الشعبي بالأعشاب والتطبيب الشعبي.

وتعود بهذه المناسبة الأليمة إلى ذاكرتي إحدى الأمثال الإفريقية الشهيرة التي تشبه رحيل عجوز بمكتبة تحترق.

أعتقد أن رحيل للا يامنة في يومنا هذا، يسائلنا كفاعلين سياسيين وجمعويين وكباحثين في مجال التراث بحرقة ومرارة: فالحفاظ على التراث لا يغدو أن يكون فقط مختزلا في إنقاذ بنايات تاريخية أو حفظ كتب قديمة أو أرشيف مكتوب من التلف والحشرات ومن فعل الزمن، ولكنه جهد كبير وطويل الأمد لإنقاذ تراث شفهي وغير مادي من الدمار. فالنسيان والموت يذهب شيئا فشيئا بدرر نادرة من الرجال والنساء الحاملين والداعمين والحامين لتقليد يميزنا عن غيرنا ولموروث حضاري يتلاشى يوما عن يوم.

هم مع الأسف في زوال في وقتنا الحاضر. ونحن لم نساعدهم بما يكفي لإعداد الخلف بطريقة طبيعية من خلال خلق مدارس ومشاتل ومعاهد ومن خلال رد الاعتبار لهم كأشخاص مميزين وتحفيز البحث العلمي بما فيه الكفاية. في الواقع، فجزء كبير من علم الاجتماع، والتاريخ، والصيدلة و الدواء التقليدي، ومن زراعتنا وفلاحتنا، ومن تقنيات حماية المناظر الطبيعية وتشييد المدرجات الفلاحية وعلم الأرصاد الجوية والفلك والمناخ، وحرفنا اليدوية وطقوسنا… وربما حتى جزء كبير من الحلول لمشاكلنا الحاضرة وأشياء كثيرة قد لا ننتبه إليها بما يكفي من الحدة والجدية: كلها مودعة للأسف في ذاكرة وعقول الرجال والنساء، وهي عرضة للموت كل يوم … لأننا نتجاهلها أو نستصغرها أو نحتقرها أو لم نلتقط بعد معناها الباطني بالشكل الجيد.

فأنا أعتبر رحيل كل من هؤلاء الرجال والنساء بمثابة إحراق خزانة ثقافية وتراثية غير مستغلة. ولقد أضحى الحفاظ على التقاليد الشفهية اليوم أمرًا ضروريًا ومصيريا بالنسبة لذاكرتنا الجماعية الوطنية مثله مثل بناء المتاحف وتشييد المراكز الثقافية.

وبهذه المناسبة الأليمة أتقدم إلى أسرة الفقيدة وإلى أهلنا وذوينا بالمدينة القديمة بأطيب التعازي والمواساة في هذا المصاب الجلل، سائلا المولى عز وجل أن يلطف بالفقيدة ويعمها بعفوه وغفرانه، وأن يمطر على تلك السيدة الفاضلة التي قدمت خدمات جليلة لتراث المدينة، وللمرأة التيزنيتية، شآبيب الرحمة والغفران وان يتقبلها في فسيح جناته ورضوانه بجانب الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.

ونسأل الله عز وجل أن يلهم أسرتها الصغيرة وأهلها وذويها جميل الصبر وحسن العزاء. وإنا لله وإنا إليه راجعون.

*مستشار برلماني

شاهد أيضاً

الذاكرة والتاريخ في الأدب الأمازيغي مقاربات نظرية وتطبيقية

تنظم شعبة الدراسات الأمازيغية بالكلية متعددة التخصصات بالناظور ندوة وطنية علمية في موضوع توظيف الذاكرة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *